بعد عامين من الحرب.. 32% من الإسرائيليين يحتاجون إلى علاج نفسي

بعد عامين من الحرب.. 32% من الإسرائيليين يحتاجون إلى علاج نفسي
جنود إسرائيليون يبكون رفاقهم في حرب غزة

مع اقتراب نهاية عام 2025، تكشف الأرقام المتداولة داخل إسرائيل عن وجه آخر للحرب المستمرة منذ أكثر من عامين على قطاع غزة، وجه لا يظهر في ساحات القتال بل يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمع، فبعيدا عن الخسائر العسكرية والسياسية، بدأت تداعيات نفسية عميقة تطفو إلى السطح، تعكس حجم الضغط والقلق الذي يعيشه ملايين الإسرائيليين منذ اندلاع الحرب في 8 أكتوبر 2023.

بحسب ما نقله موقع تايمز أوف إسرائيل الأربعاء عن استطلاع أجرته خدمات مكابي للرعاية الصحية، إحدى أكبر مؤسسات الرعاية الصحية في إسرائيل، فإن 32 بالمئة من الإسرائيليين يحتاجون إلى دعم وعلاج نفسي متخصص مع نهاية عام 2025، وأجري الاستطلاع في نوفمبر 2025 على عينة تمثيلية ضمت 1100 شخص، تراوحت أعمارهم بين 20 و75 عاما من مختلف المناطق، ما يمنح نتائجه ثقلا إحصائيا يعكس المزاج العام داخل المجتمع.

وصف القائمون على الاستطلاع نسبة 32 بالمئة بأنها رقم قياسي لم تسجله إسرائيل من قبل، ما يعكس حجم الأثر النفسي المتراكم لحرب طويلة الأمد، فالحياة اليومية، التي باتت مشبعة بالأخبار العنيفة والقلق الأمني المستمر، تركت آثارا واضحة على الصحة النفسية، من توتر دائم إلى اضطرابات نفسية تتطلب تدخلا متخصصا.

جنود في دائرة الخطر

تبدو الصورة أكثر قتامة عند النظر إلى أوضاع الجنود الذين خدموا خلال العام الماضي، إذ أظهر الاستطلاع أن 39 بالمئة من هؤلاء أفادوا بحاجتهم إلى دعم نفسي، بينما عبّر 26 بالمئة عن قلقهم من الاكتئاب، كما أبلغ 48 بالمئة عن معاناتهم من مشكلات في النوم، وهو مؤشر شائع على الصدمات النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة المرتبطة بالحروب.

أشار الاستطلاع إلى أن 17 بالمئة من المشاركين وصفوا حالتهم النفسية بأنها متوسطة أو سيئة، مقارنة بنسبة 13 بالمئة قبل الحرب، هذا الارتفاع، وإن بدا محدودا رقميا، إلا أنه يعكس تحولا واضحا في شعور الأفراد تجاه صحتهم النفسية، ويؤشر إلى تآكل تدريجي في الإحساس بالاستقرار والأمان.

لم تقتصر آثار الحرب النفسية على المشاعر والتقييمات الذاتية، بل انعكست أيضا على السلوكيات اليومية للمواطنين في إسرائيل، فقد أظهرت النتائج تفاقم معدلات التدخين خلال عام 2025، حيث أفاد 30 بالمئة من المدخنين بزيادة استهلاكهم للسجائر، في محاولة للتكيف مع التوتر والضغط النفسي المتواصل، ويعتبر المختصون هذا السلوك مؤشرا إضافيا على عمق الأزمة النفسية.

تداعيات تمتد للحياة الأسرية

ضمن التداعيات غير المباشرة للوضع النفسي المتدهور، أظهرت البيانات الطبية انخفاض عدد المواليد بنسبة 4 بالمئة مقارنة بعام 2024، ويربط مراقبون هذا التراجع بحالة القلق العام وعدم اليقين بالمستقبل، ما يدفع كثيرا من الأزواج إلى تأجيل الإنجاب في ظل ظروف نفسية وأمنية غير مستقرة.

ألقت هذه الأزمة النفسية بظلالها الثقيلة على المؤسسة العسكرية أيضا، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي مساء الثلاثاء انتحار 21 من عناصره منذ بداية عام 2025، وتعيد هذه الأرقام تسليط الضوء على الكلفة النفسية الباهظة للحرب، ليس فقط على الجنود في ساحات القتال، بل أيضا على منظومة الدعم النفسي داخل الجيش.

تعكس هذه المعطيات صورة مجتمع يعيش حالة استنزاف نفسي متواصل، فالحرب، بما تحمله من خوف دائم وخسائر بشرية وأخلاقية، خلقت حالة من القلق الجماعي، حيث باتت مشاعر التوتر والترقب جزءا من الحياة اليومية، ويرى مختصون أن استمرار هذا الوضع دون معالجة شاملة قد يؤدي إلى آثار طويلة الأمد على التماسك الاجتماعي.

تأتي هذه الأزمة النفسية داخل إسرائيل في سياق حرب وُصفت على نطاق واسع بأنها حرب إبادة في غزة، حيث أدت العمليات العسكرية منذ 8 أكتوبر 2023 إلى استشهاد أكثر من 71 ألف فلسطيني وإصابة 171 ألفا آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، هذا الواقع الدموي، الذي يتابعه الإسرائيليون يوميا عبر وسائل الإعلام، يضيف بعدا أخلاقيا ونفسيا معقدا للأزمة الداخلية.

أُقيمت إسرائيل عام 1948 على أراضٍ فلسطينية بعد ارتكاب مجازر واسعة وهجّرت مئات آلاف الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، ولاحقا، وسّعت سيطرتها لتشمل بقية الأراضي الفلسطينية، في ظل رفض مستمر للانسحاب الكامل أو قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهذا السياق التاريخي والسياسي شكّل الخلفية العامة لصراعات متكررة، بلغت ذروتها في الحرب الحالية التي لم تترك آثارها على الفلسطينيين وحدهم، بل امتدت إلى الداخل الإسرائيلي، مخلّفة أزمة نفسية واجتماعية عميقة تكشفها اليوم الأرقام والدراسات، وتطرح تساؤلات جدية حول مستقبل المجتمع في ظل استمرار الصراع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية